هل شاهدت الأخبار حول اللاعب الأوليمبي في السباق الثلاثي (الترياثلون) الذي تقيأ بعد السباحة في نهر السين؟ سواء كان السبب هو التلوث الذي أشيع مؤخراً عن نهر السين أو الإجهاد الشديد الذي تعرض له اللاعب، فإن هذا يثير سؤالًا مهماً: هل الأنهار آمنة للسباحة؟
في الحقيقة أنها قد تكون أكثر خطورة مما نتصور. في وقت سابق من هذا العام، تحديدًا في مايو 2024 ، حدثت حادثة مأساوية في الهند فقدت فتاة تبلغ من العمر 5 سنوات حياتها بعد أن قامت بالاستحمام مع أقاربها في نهر كادالوندي بالقرب من منزلها بسبب عدوى نادرة وقاتلة تسببها أميبا آكلة للدماغ.
إن فصل الصيف يعني مغامرات في الهواء الطلق والتخفيف من حرارة الجو بالسباحة في البحيرات والأنهار وأحواض السباحة. ولكن هناك تهديد خطير يختبئ في هذه المياه: ” النّيجلرية الدّجاجية ” (Naegleria fowleri) ، المعروفة أيضًا باسم “الأميبا الآكلة للدماغ”. يبدو الاسم مخيفًا، ولكن معرفة المزيد عن هذا الكائن الحي أمر أساسي لحماية نفسك وأحبائك خلال استمتاعك بأيام الصيف.
ما هي النّيجلرية الدّجاجية؟
” النّيجلرية الدّجاجية ” هي كائن حي وحيد الخلية يعيش في البيئات المائية الدافئة مثل البحيرات والأنهار. يمكن أن تجد هذه الأميبا موطنًا لها أيضًا في الينابيع الساخنة، أو المياه الدافئة الناتجة عن المصانع الصناعية، وأحواض السباحة التي لا تتم صيانتها بشكل جيّد أو التي تحتوي على مستويات منخفضة من الكلور. قد تنمو حتى في سخانات المياه التي تصل درجات حرارتها إلى 46° درجة مئوية، وقد تبقى على قيد الحياة لفترات قصيرة حتى عند درجات حرارة أعلى. لكنها لا تعيش في المياه المالحة.
عندما يسبح الأشخاص، وخاصة الأطفال والشباب، في المياه الملوثة، يمكن لهذه الأميبا أن تدخل إلى الجهاز العصبي المركزي عبر الأنف. وبمجرد وصولها إلى الدماغ، تسبب عدوى نادرة ولكنها قاتلة تعرف باسم التهاب السحايا والدماغ الأميبي الأولي (primary amoebic meningoencephalitis).
ما هو التهاب السحايا والدماغ الأميبي الأولي؟
التهاب السحايا والدماغ الأميبي الأولي هو عدوى دماغية سريعة الانتشار ويعد معدل الوفيات فيها مرتفع. بمجرد أن تصل النّيجلرية الدّجاجية إلى الدماغ، تبدأ في تدمير أنسجته، مما يؤدي إلى عواقب وخيمة. يمكن أن تتشابه أعراض التهاب السحايا والدماغ الأميبي الأولي مع أعراض التهاب السحايا البكتيري، مما يجعل التشخيص المبكر صعبًا. وهذا التأخير في اكتشاف العدوى يعد سببًا رئيسيًا لارتفاع معدل الوفيات.
ما هي أعراض التهاب السحايا والدماغ الأميبي الأولي؟
تظهر أعراض التهاب السحايا والدماغ الأميبي الأولي عادةً خلال أسبوع إلى أسبوعين من التعرض للمياه الملوثة و تشمل:
- حمى شديدة
- صداع شديد
- تصلب الرقبة
- غثيان وقيء
- ارتباك وهلوسة
- تشنجات
- غيبوبة
كيف يتم تشخيص و علاج التهاب السحايا والدماغ الأميبي الأولي؟
يتطلب تشخيص التهاب السحايا والدماغ الأميبي الأولي دراسة تفصيلية للتاريخ الطبي، وفحصًا جسديًا شاملاً، واختبارات مخبرية متخصصة. يشتبه الأطباء في التهاب السحايا والدماغ الأميبي الأولي لدى الأشخاص الذين تظهر عليهم الأعراض وكانوا قد سبحوا مؤخرًا في المياه العذبة، ولكن تأكيد التشخيص يظل صعبًا.
يتم إجراء البزل النخاعي (البزل القطني) للحصول على عينة من السائل الشوكي (السائل المحيط بالدماغ والحبل الشوكي) و الكشف عن وجود الأميبا، لكن اكتشاف الأميبات في العينة ليس دائمًا ممكنًا.
لا ينجو الكثير من المرضى بعد الإصابة بالتهاب السحايا والدماغ الأميبي الأولي، لذا فإن تحديد أفضل علاج لهذه الحالة يعد تحديًا كبيرًا، فلا يوجد علاج مضمون حتى الآن.
يعتمد الأطباء عادةً على مزيج من الأدوية في العلاج، منها:
- أمفوتيريسين ب (amphotericin B): مضاد للفطريات
- ريفامبين (rifampin): مضاد حيوي
- فلوكونازول (fluconazole) أو أدوية مشابهة مثل ميكونازول (miconazole) ، أو كيتوكونازول (ketoconazole) (أدوية مضادة للفطريات)
ما هي التدابير الوقائية لتجنب الإصابة بالتهاب السحايا والدماغ الأميبي الأولي؟
نظرًا لخطورة التهاب السحايا والدماغ الأميبي الأولي وقلة خيارات العلاج، فإن الوقاية هي أفضل وسيلة دفاعية لك. إليك بعض الاحتياطات الهامة التي يجب أن تضعها في اعتبارك:
- تجنب دخول الماء إلى الأنف: عند السباحة في البحيرات أو الأنهار، تأكد من إغلاق أنفك أو استخدام مشبك للأنف لمنع دخول الماء.
- قلل من تعرضك للمياه: قلل من الوقت الذي تقضيه في المياه الدافئة.
- اختر المسابح المعقمة بالكلور والتي يتم صيانتها دورياً: السباحة في المسابح المعالجة بالكلور بشكل جيد تعتبر أكثر أمانًا وتقلل من خطر الإصابة.
- كن حذرًا مع الينابيع الحارة: تشكل الينابيع الحارة، بدرجات حرارتها العالية، بيئة مثالية لنمو ” النِّيجلرِيَّة الدَّجاجِيَّة “، لذا كن حذرًا إذا قررت زيارتها.
وفي الختام، اطمئنوا، فخطر الإصابة بعدوى النّيجلرية الدّجاجية نادر جدًا، حيث يُقدَّر بحالة واحدة فقط لكل 2.6 مليون تعرض للأميبا. لذا، لا تدعوا المخاوف تعكر صفو متعتكم في السباحة—فقط اتبعوا بعض الاحتياطات البسيطة واستمتعوا بالماء بأمان وبدون قلق.
المصادر:
- www.livescience.com
- www.medscape.com
- www.cdc.gov
- www.msdmanuals.com